المادة    
إن نشأة الطفل عَلَى دين أبويه ليس عَلَى الإطلاق، فيغلب جانب الإسلام في الأحكام الظاهرة، فمثلاً: لو وجدنا طفلاً ضائعاً أو لقيطاً ولم يعرف له أب في مدينة من المدن، ولم يكن في هذه المدينة إلا عدداً محدوداً من الْمُسْلِمِينَ وفيها أكثرية من الكفار.
فالقول الصحيح: إن الطفل يلحق بالْمُسْلِمِينَ؛ لأنا لو أعطيناه الكفار لربوه عَلَى الكفر، ولكن يلحق بالْمُسْلِمِينَ، لأن الإسلام هو الأغلب والأعم لسببين:
أولاً: أن الإسلام هو الأصل في بني الإِنسَان كافه، وإن انحرف من انحرف إِلَى الشرك، وإن كثروا فهم عَلَى خلاف الأصل وثانياً: أن هذا الطفل ولد عَلَى الفطرة، فالأصل أن يبقى عليها وأن يعطى لمن يكفله من الْمُسْلِمِينَ.

ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله تَعَالَى في رجلين تداعيا في طفل أحدهما كافر والآخر مسلم، وكان الكافر لديه من الحجج والبينات أقوى مما عند المسلم، فَقَالَ بعضهم: يحكم القاضي بالحق؛ لأن الأصل في ديننا هو الحق والعدل ونحكم بالحق فنعطيه للكافر، لأن دلائله أقوى من المسلم. وقال آخرون: إننا لا نعطي الكافر؛ بل نغلب جانب الإسلام وجانب مصلحة الطفل وليس مصلحة الأب، لأن هذا الطفل إذا حكمنا بأنه تابع للمسلم فإنه يكون مسلماً، فينجوا من عذاب الله بإذن الله عَزَّ وَجَلَّ، لكن لو حكمنا للأب فإن الأمر يكون بخلاف ذلك، فلا نضمن أنه يسلم، فقد يموت عَلَى الشرك.
فالمقصود: أن الإسلام يغلب حتى في الأحكام الظاهرة؛ بل قال بعض الفقهاء: لو أن سفينة أو طائرة في هذا العصر سقطت فتحطمت أو غرقت وفيها مائة أو مائتان من الركاب، ونحن نعلم أن فيها واحداً من الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يصلى عَلَى كل واحد من هَؤُلاءِ، من أجل هذا المسلم الذي بينهم، فالصلاة عَلَى الكافر لا تقع لكن من أجل هذا المؤمن نصلي.